معهد الخوئي | Al-Khoei Institute

معهد الخوئي | Al-Khoei Institute
  • الإمام الخوئي
  • المكتبة المرئية
  • المكتبة الصوتية
  • المكتبة
  • الاستفتاءات

الديمقراطية و حقوق الانسان في فقه الاسلامي

  • ٨٣٨٤
  •  

احترام الحياة الخاصة في الشريعة الإسلامية


العلامة الدكتور  عبد اللطيف هميم


أمين عام جماعة علماء ومثقفي العراق


 


الحقِ في الخصوصية لغة :


 


يطلق الحق في اللغة العربية على معان :


1. نقيض الباطل : ومنه قوله تعالى : (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق) .


2. كونه اسما من أسماء الله تعالى  أو صفة من صفاته ومنه قوله تعالى : (ولو اتبع الحق         أهواءهم).


3. الحظ والنصيب : ومنه قوله تعالى : (وفي أموالهم حق للسائل والمحروم )


4. الواجب : ومنه قوله تعالى ( فحق علينا قول ربنا)


5. ويطلق الحق على قرى الضيف على سبيل المروءة والندب ومنه قوله عليه الصلاة والسلام : ليلة الضيف حق فمن أصبح بفنائه فهو عليه دين


6. ويطلق الحق على الموجود والثابت الذي لا يجوز إنكاره..


 


والخصوصية في لغة العرب تعني: حالة الخصوص . يقال : اختص فلان بالشيء يخصه خصا وخصوصا وخصوصية بالفتح والضم , والفتح أفصح .


والخصوصية من وجهة النظر اللغوية تقترب من مفهوم السر لكنها ليست مرادفة له ,ذلك  لأن السرية تفترض الكتمان والتخفي. في حين أن الخصوصية - وان كانت تفترض قدرا من الكتمان والتخفي- لكنها قد تتوفر رغم انعدام السرية.


وبإضافة لفظة (حق ) إلى (الخصوصية ) يمكن أن نستخلص النسبة التصورية , فيكون معنى هذه الإضافة من الناحية اللغوية : هي حق الشخص في أن ينفرد بأمور لنفسه , أو خاصته , على ألا تتخذ هذه الأشياء صفة العموم.


وإذا ما تركنا اللغة جانبا ونظرنا في الفقه الإسلامي، وجدنا كلمة الحق تستعمل للدلالة على معان متعددة تختلف تبعا للمصالح التي قررتها هذه الحقوق ذلك : لأن المصالح قد تكون مصالح عامة للمجتمع وقد تكون مصالح خاصة للأفراد أو مشتركة بين الجانبين . وتأسيسا على هذا اتجه علماء الأصول إلى تقسيم الحقوق إلى أربعة أقسام:




1- حقوق الله الخالصة: ويقصد بها ما يتعلق به النفع العام للناس جميعا من غير           اختصاص بواحد.




2- حق خالص للعبد: ويقصد به تحقيق مصلحة خاصة للفرد ويتمثل هذا النوع في سائر الحقوق المالية للأفراد كالأثمان, والديون, وضمان المتلفات.




3- ما اجتمع فيه الحقان ء وكان حق الله  فيه هو الغالب كحد القذف, فإن الحق في هذه الحالة يضاف إلى الله  تعالى  لأن حق العبد غير منظور إليه .




4- ما اجتمع فيه الحقان , وحق العبد هو الغالب كالقصاص من القاتل العمد.




 


وفي الحقيقة فإن هذه التفرقة بين حق الله , وحق العبد, تفرقة ابتدعها الفقه الإسلامي ويهدف منها إلى بيان أن من حق العبد إسقاط حقه , والإبراء منه ، والعفو عنه , وإلا فالحقيقة لا يوجد حق للعبد على الخلوص بغير المعنى المتقدم.


وقد قسم ابن تيمية الحقوق إلى قسمين :


أحدهما: الحدود والحقوق التي ليست لقوم معينين بل منفعتها لمطلق المسلمين , وكلهم محتاج إليه , وتسمى حقوق الله وحدود الله.


أما القسم الثاني فهي تلك الحدود والحقوق التي تقررت لآدمي معين, ومنها النفوس.


 


المفهوم الواسع للحق في الفقه الإسلامي:


 


إننا إذا أمعنا النظر في قوله تعالى : قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئا - الآية . نجد أنها قررت حقوقا عديدة مادية ومعنوية ويقع البعض منها ضمن الحريات العامة , أو الحريات الشخصية فهي تضمنت حق الوالد في مطالبة أبنائه باحترامه ، والإحسان إليه وحق الفرد في تأمين معاملاته التجارية ، والوفاء بالعقود, وهو ما يطلق عليه في عرفنا المعاصر - حرية العمل - وحرية التجارة .


وإذا كانت الدراسات الفقهية قد عرفت اتجاها يذهب إلى أن الفقهاء لم يضعوا مفهوما محددا للحق , وإنما اكتفوا بما يحمله اللفظ من دلالات لغوية . فإنه قد يستدل بما تقدم من بيان الأصوليين لأقسام الحق, والآثار المترتبة على هذا التقسيم , خلاف هذا الاتجاه , والذي يؤكد هذا هو تفريق الشرعيين بين الحق والملك ,مما يشير إلى أنهم لم يكتفوا بدلالات اللغة وما ترمي إليه فقط.


وهذا الاتساع في دلالات الحق قد تفطن إليه غير واحد من الفقهاء المعاصرين , الا انهم على كثرة استعمالهم إياه لم يعنوا ببيان حدوده في مواقع استعمالاته ، بل اكتفوا بوضوح معناه اللغوي ودلالته عليه.


وهذا الاتساع قد حدا ببعض المعاصرين إلى محاولة تعريف الحق اصطلاحا يعتمد على الحدود المنطقية مثل الشيخ علي الخفيف الذي عرفه بأنه : مصلحة مستحقة شرعا, وهذا معناه أنه يحقق لصاحب الحق فائدة مالية أو أدبية . ويعرفه الدكتور محمد يوسف موسى  بأنه : مصلحة ثابتة للفرد أو للمجتمع أو لهما معا يقررها الشارع الحكيم . ويعرفه الدكتور الدريني بأنه : اختصاص يقربه الشرع على شيء , أو اقتضاء أداء من آخر تحقيقا لمصلحة معينة  .


وسواء أكانت هذه التعاريف حاسمة في وضع ضوابط وحدود لمفهوم الحق أم إلا, فإنه من المعروف يقينا أن الفقهاء لا في القديم ولا في الحديث قد استعملوا لفظة - الحق في الخصوصية -أو- الحياة الخاصة -أو- حق الشخصية - فهم لم يستعملوا هذه التوليفة , بل ولم يستعملوا تركيبة أخرى قريبة إلى هذه التركيبة , وعدم استعمال الفقه لهذه التوليفةلا يعني أنه لم يعترف بهذا النوع من الحق , بل الأمر على خلاف ذلك . فإن الشريعة الإسلامية قد اعترفت به ابتداء، وعرفت له تطبيقات عديدة, ولكنه قد انضوى تحت مفهوم الحق عموما في هذا الفقه .


ولعل من أبرز تطبيقات الحق في الخصوصية في الفقه الإسلامي، حق الفرد في حرمة مسكنه، والعيش فيه آمنا من تطفل الآخرين عليه , وهذه الحرمة قد تقررت بقوله تعالى في سورة النور :






يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَىٰ أَهْلِهَا ۚ ذَ‌ٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّىٰ يُؤْذَنَ لَكُمْ ۖ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا ۖ هُوَ أَزْكَىٰ لَكُمْ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ * لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ




 






 






فهذه الآية تقرر حرمة المسكن , وحق الفرد في أن يتمتع وهو في مسكنه بهذه الحرمة بعيدا عن تدخل الآخرين وفضولهم . ومن تطبيقات هذا الحق النهي عن التطفل على حياة الأفراد بالمسارقة البصرية واقتحام المساكن بالنظر، والاطلاع على ما يطويه الفرد عن غيره من أسرار في العادة . وقد قررت بالأحاديث الكثيرة الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم  من ذلك قوله عليه الصلاة والسلام من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم ففقؤوا عينه فلا دية ولا قصاص.


وهذه النصوص تقر حق الفرد في مقاومة الاعتداء الواقع على حياته الخاصة ودفعه ,لأنه اعتداء على حقه في الأمن , والاحتفاظ بأسراره. ومن تطبيقات هذا الحق النهي عن التجسس على الغير, وتتبع عورات الآخرين


وتعريتهم بأي وسيلة من وسائل التعرية , والذي قرره قوله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا .


وبالاستناد إلى هذه النصوص ذهب الفقهاء إلى القول : بتحريم التجسس والتحسس أو التفتيش إلا في الأحوال المرخص بها  شرعا , وتحريم التجسس والتفتيش قد ترتب عليه أنه ليس لأي إنسان فراد كان أو حاكما أن يسترق السمع أو إن يتحسس ثوب الغير ليعرف ما يخفيه .


ومن تطبيقات هذا الحق حفظ الأسرار وعدم إفشائها, ولعل أول ما يطالعنا بهذا الصدد هو حق كل من الزوجين على الآخر ألا ينقل أسراره , ولا يفشيها سيما تلك التي تتعلق بالجماع ونحوه ء والأصل فيه ما روي عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال : أن من شر الناس يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته ، أو تفضي إليه ثم ينشر سرها. وروي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال : أن من أعظم الأمانة عند الله  يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته , أو تفضي إليه ثم ينشر سرها.


وعلى العموم ,. فإن للحديث الخاص حرمة وقدسية في الشريعة الإسلامية. فقد روي عن النبي عليه الصلاة والسلام انه قال : من حدث في مجلس بحديث فالتفت فهي أمانة . وروي عنه عليه الصلاة والسلام قوله : المجالس بالأمانة إلا ثلاثة : مجالس ما سفك_ فيه دم حرام ، أو فرج حرام ,أو اقتطع فيه مال بغير حق. وروي عنه عليه الصلاة والسلام قوله : أنما يتجالس المتجالسان بالأمانة ، فلا يحل لأحد أن يفشي على صاحبه ما يكره.


ومن تطبيقات هذا النوع من الحق هو حق الفرد في المحافظة على سمعته واعتباره. ومعلوم إن الشريعة الإسلامية تعاقب على جريمة القذف متى توافرت الشروط اللازمة لذلك, وكذلك في الأحوال التي يكون فيها رمي المجني عليه من جنس ما يوجب الحد. أما في الأحوال التي لا تكون فيها الجريمة من جنس ما يوجب حد القذف , وذلك  بأن يوجه الجاني للمجني عليه كلمات لا تصل إلى حد القذف ,ولا من جنس ما يجب به القذف ولكنه يعتبر إيذاء بأقوال أخرى مقذعة تؤذي المجني عليه ء وتمس كرامته , مثل رميه بالفسق والزندقة , ونسبته إلى غير الإسلام ، أو رميه بالبلادة والغباء , وإيواء اللصوص, ولعب القمار ونحو ذلك . فان القائل في هذه الحالة يكون قد آذى المجني عليه . ولما كان الشارع لم يحدد عقوبة لهذه الجريمة, فان العقوبة تكون تعزيرية  .


ومن خلال هذا العرض السابق، يتضح لنا أن الشريعة الإسلامية قد اعترفت بهذا النوع من الحق منذ اكتملت الرسالة, بل إن هذا الحق يمثل عنصرا أساسيا في منهجيتها. ومن ادآب العامة التي تحرص الشريعة على ضمانها وحمايتها وان الشريعة قد عرفت تطبيقات عديدة له . وأما عدم استعمال الفقه الإسلامي للفظة الحق في الخصوصية, أو حق الشخصية, فيرجع إلى اعتبارات عديدة لعل في مقدمتها هو إعطاء لفظة الحق تلك الدلالات الواسعة مما جعل التفرقة عسيرة بعض الشيء بين حق وأخر. هذا فضلا عن أن النظرية الفقهية قد اكتملت, وبلغت قمة نضوجها في القرنين الثاني والثالث الهجريين.


 


الموازنة بين حق الفرد وحق المجتمع في الفقه الإسلامي:


لم يعرف الفقه الإسلامي، ذلك النزاع بين الحقوق الذي عرفه الفكر القانوني الوضعي مما حدا ببعضه إلى عدم الاعتراف بالحق بالخصوصية بدعوى تعارضه مع حقوق أخرى محمية، مثل حرية التعبير والصحافة، وحق جع المعلومات. ذلك, لأن الإسلام يرسم لكل حق حدودا معينة لا يجوز تجاوزها.


وهو في تقريره للحقوق , أو رفضه لا ينطلق من النظرية الفردية التي تجعل الفرد في مركز قانوني أعلى من المجتمع , أو المغالاة في الاتجاه الجماعي الذي يفضي إلى اعتبار الحقوق مجرد وظائف اجتماعية , إنما  يقيم الموازنة بين الحقوق الفردية ، وبين الحقوق الجماعية , ذلك , لأن مفهوم الحق في الفقه الإسلامي عموما يرتبط بمفهوم الواجب . ففي الوقت الذي يعطي الحق لصاحبه فرصة التمتع به يلزم الآخرين حكاما كانوا أو أفرادا واجب تمكين الفرد من ممارسة هذا الحق , وعدم الحيلولة بينه , وبين التمتع به , أو بمعنى آخر أن الحق في الوقت الذي يمكن صاحبه من التمتع به بغل يد السلطة , وكذلك الأفراد من التدخل بشؤونه ، ويلزمه بعدم التعدي على الآخرين , وهو يمارس حقه .


فحق الشخص في التنقل مثلا يقتضي واجبين ، أحدهما: ألا يعتدي وهو يتمتع بحقه على الآخرين . وثانيهما: يجب على الآخرين تمكين الفرد من التمتع بحقه وممارسته. ومن ثم نجد أن الشريعة الإسلامية قد ربطت الحق بالمصلحة فالحق المقرر لفرد يمكنه من تحقيق مصلحة له ، ولكنه يشترط فيمن يمارسه إلا يضر بمصلحة الجماعة , وألا كان متعسفا في استعمال حقه . وتطبيقا لهذا نجد إن الفقهاء قرروا أن مرور الفرد في الطريق العامة حق له لكنه حق مقيد بشرط السلامة, لأنه يتصرف في حقه من وجه, وفي حق غيره من وجه آخر لكونه مشتركا بين كل الناس. ومؤدى هذا إن كل حق فردي مشوب بحق الله تعالى الذي يتضمن المحافظة على حقوق الآخرين.


وفي الحقيقة فإن الموازنة بين الفرد والمجتمع, أو تلك الموازنة بين الحقوق عموما تبرز في أجلى صورها في إن التكاليف لوحظ في فرضها عدم إساءة استعمال الحق, وهذا المنع قد ورد مطلقا على جميع الحقوق. فإنه بمقتضى هذا المبدأ لا يجوز للشخص أن يستعمل حقه إذا كان على علم بما يترتب على استعماله من ضرر فاحش يصيب الغير أو كانت المصلحة التي يرمي إلى تحقيقها من وراء استعمال حقه غير مشروعة , أو كانت قليلة الأهمية ، وهو مبدأ أقره الفقه الإسلامي تطبيقا للحديث الشريف : لا ضرر ولا ضرار, وإعمالا بالقاعدتين الشرعيتين درأ المفاسد أولى من جلب المنافع, ودفع اكبر الضررين بالأخف منهما، وبالرغم من أن مبدأ عدم التعسف في استعمال الحق يعتبر المجال الطبيعي له من الناحية التطبيقية هو علاقات الجوار,وذلك للآيات والأحاديث الواردة في الحث على الإحسان إلى الجار والنهي عن إنزال الضرر به مثل قوله تعالى : (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ).   ومبدأ عدم التعسف في استعمال الحق يجد صدا في العديد من الوقائع والتطبيقات التي جرت على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم و عهد الخلفاء الراشدين.


وهكذا نجد أن الفقه الإسلامي قد عمل جادا في حفظ التوازن بين الفرد والمجتمع , وذلك بتقييده لاستعمال الحق بعدم الضرر ووضع ضوابط وحدود للحقوق المشتركة والمنافع المشتركة , وهم في كل هذا كانوا يهدفون إلى حفظ التوازن بين الحقوق الاجتماعية , والحقوق الفردية , وبالتالي إقامة موازنة بين الفرد والمجتمع , وهذا بدوره يؤكد لنا المنحى الوسط الذي سلكه الإسلام في تعامله مع الفرد والمجتمع , فهو لا يضع الفرد في مركز قانوني أعلى من المجتمع , وفي نفس الوقت لا يجعل من المجتمع كابوسا يضغط على الفرد, ويخنق فيه روح المبادأة , وتحقيق الذات , ومن ثم يسلبه الكرامة , وإنما كان وسطا بين الفردية والاجتماعية  وهو في هذا قد أخذ في اعتباره نوازع الفرد وميوله , ومصلحة المجتمع وطموحاته .


 


الحق في الخصوصية والحق في الأعلام :


سبق وأن بينا أن جانبا من الفكر القانوني المعاصر قد ذهب إلى رفض الخصوصية بدعوى تعارضه مع حق تدفق المعلومات, وحرية التعبير في مجتمع ديمقراطي. ونلاحظ هنا أن الشريعة الإسلامية كما سبق وان بينا أنها لا تعرف حقا مطلقا من كل قيد.


فإذا كانت الشريعة الإسلامية تعترف للفرد في حقه في تكوين رأيه بحرية , وأن يصنع لنفسه موقفا فلا يكون تبعا للآخرين, وأن تكفل له الحرية في إبداء هذا الرأي وإعلانه بالطريقة التي يراها وبالوسيلة التي يرتضيها فإن هذه الحرية ليست مطلقة بل هي مقيدة بضوابط ثلاثة


أحدها: أن لا يتجاوز بهذه الحرية الحدود المقررة شرعا.


ثانيا: ألا يكون في التعبير عن الرأي، وإبدائه, خوض في أعراض الناس, وإذاعة أسرارهم.


ثالثا: ومن القيود التي ترد على حرية التعبير ألا يكون المقصود من الإدلاء بالآراء المجادلة العميقة ، وإدارة حوار أجوف لا جدوى منه ولا طاثل من ورائه , بل يجب أن يكون الهدف من إبداء الرأي هو رفد الحياة الاجتماعية بآراء تساعد على تطوره وحركيته, وتسهم بالوصول إلى أفضل الوساثل وأحسن السبل في معالجة المشاكل التي تطرأ على المجتمع وهو يمارس حراكه الاجتماعي. مما لاشك فيه أن الجدل معصية بنص قوله عليه الصلاة والسلام : ما ضل قوم بعد أن هداهم الله إلا أوتوا الجدل.


 


النتيجة:


وبعد هذا العرض لمفهوم الحق في الفقه الإسلامي وبيان منهج الشريعة في الموازنة بين الفرد والمجتمع, وعرض تطبيقات الخصوصية في الشريعة الإسلامية, هل نستطيع أن نتلمس تعريفا محددا للحق في الخصوصية؟ .. وأن نضع أيدينا على حدود هذا الحق ونطاقه ؟..


الواقع , ونحن في هذا السبيل , نجد أنفسنا بإزاء محاولة قد تبدو غير ممكنة , أو على أقل تقدير تبدو المحاولة فيها جانب من المجازفة ؟ فإضافة إلى أن الخصوصية محكومة إلى حد كبير بالتقاليد، والعادات الاجتماعية , وقواعد السلوك في المجتمع فإنه تواجهنا صعوبة أخرى هو ذلك المفهوم المتسع لمعنى الحق في الفقه الإسلامي مما نفضل معه ترك تعريف هذا النوع من الحق تعريفا يعتمد على الحدود, والرسوم بالمعنى المصطلح عليه عند المناطقة , والاكتفاء بذلك الاعتراف العام الصادر من الشريعة الإسلامية بشأن هذا الحق .


وإذا كان لا بد من معالجة هذا الحق بتعريف رغم تلك الصعوبات, فإنه يمكننا القول إذ الحق في الخصوصية هـو:


حق الفرد في أن يعيش متمتعا باحترام أشياء خاصة يطويها عن غيره في العادة ء وذلك بغل يد السلطة العامة, وكذلك الأفراد عن التدخل، أو التعرض لهذه الأشياء إلا في الأحوال التي تقتضيها المصلحة العامة , وذلك بإذن الشارح.


وقد يلتقي الحق في الخصوصية في بعض جوانبه, مع الحق في الحرية. ذلك , لأن الحرية في الفقه الإسلامي تعني: أن يكون الفرد قادرا على التصرف في شؤون نفسه, وفي كل ما يتعلق بذاته آمنا من الاعتداء على نفسه , أو عرضه , أو ماله , أو أي حق من حقوقه إلا أنه لا يتطابق مع مفهوم الحق في الحرية الشخصية , بل يشكل أحد عناصرها, ويمكن القول إن نطاق الخصوصية في الفقه الإسلامي، بعد استبعاد جريمة القذف , لأنها من جرائم الحدود - يتلخص بالعناصر التالية :


1) حماية المسكن .


2) حماية الفرد من المسارقة البصرية .


3) حماية الفرد من استراق السمع .


4) حمايته من إشاعة أسراره وما يطويه عن غيره في العادة .


 5) حمايته من التهديد بإفشاء هذه الأسرار .


يضاف إلى ما تقدم أن الشريعة الإسلامية قد حمت خصوصيات الفرد من الناحية الإجراثية , وذلك باعتبار أن الإجراءات جزء مكمل للعقوبات في الفقه الإسلامي ويتمثل هذا الاتجاه في الآتي:


1) حماية سرية المراسلات .


2) حماية الفرد من استعمال القسوة والعنف في الاستجواب .


3) حماية الفرد من التعسف في التفتيش .


4) حماية الفرد من الوسائل التي تؤثر على عقل الإنسان ، أو تكشف عن دروب الشخصية.